(هَلْ مًنْ خَالًق غَيْرُ اللَّهً يَرْزُقُكُم مًّنَ السَّمَاءً وَالْأَرْضً لَا إًلَهَ إًلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فلقد وعدت القراء الكرام في المقال السابق أن أذكر الدكتور صبري الدمرداش
ومستمعي برنامج تباشير الصباح المذاع عبر إذاعة القرآن الكريم الكويتية،
أقول وعدتهم ببيان مسألة هي أهم المسائل على الإطلاق ألا وهي ارتباط
الإلوهية بتوحيد الربوبية، بل إن توحيد الإلوهية من لوازم توحيد الربوبية
وبيان ذلك أن أقول وبالله أستعين:
اعلم أيها القارئ الكريم وفقني الله وإياك أن المراد بالربوبية أي أن الله
تعالى هو الرب المنفرد بأفعاله فهو الخالق المالك المدبر لا شريك له، وهذا
المعنى والاعتقاد مستقر في نفوس جميع الجن والإنس مؤمنهم وكافرهم لا ينكره
أحد إلا على سبيل المكابرة، حتى المشركون قال الله تعالى عنهم (ولئن سألتهم
من خلقهم ليقولن الله) [الزخرف- 87]، بل حتى إبليس يقر بأن الله تعالى
خالقه كما قال الله تعالى عنه (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من
طين) [ص- 76]، وأما توحيد الإلوهية فمعناه أن الله تعالى هو الإله الحق
المعبود المستحق للعبادة وحده وأن معبودا سواه فهو معبود بالباطل ولو كان
رسولاً أو ملكاً أو ولياً صالحاً أو شمساً أو قمراً أو قبراً أو صنماً أو
وثناً أو غير ذلك، وهذا معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله قال
تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو
العلي الكبير) [لقمان- 30]، وبهذا أرسل الله تعالى جميع رسله كما قال تعالى
(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)
[الأنبياء- 25]، ومن أجل عبادة الله وحده خلق الله تعالى الجن والإنس كما
قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات- 56] قال ابن عباس
رضي الله عنهما إلا ليعبدون أي إلا ليوحدون.
أخي المسلم، أختي المسلمة إذا عرفت هذا أدركت خطأ من إذا تكلم أو كتب أطنب
وأطال في الكلام حول (إن الله هو الخالق) ولا يتجاوز ذلك ببيان كونه جل
وعلا هو الخالق إذن يجب أن يعبد وحده لا شريك له أما الوقوف عند كونه خالقا
فهذا باطل بطلانا بينا لا يخفى إلا على من لم يفقه من كتاب الله تعالى
شيئا وهل أنزل الله تعالى الكتب وأرسل الرسل وشرع الجهاد وحدَّ الحدود وحرم
الحرام وأحل الحلال وخلق الجنة والنار إلا لعبادته وحده لا شريك له؟ أما
إقرار الناس بكونه تعالى الخالق وحده فهذا أمر لا ريبة فيه ولا خلاف.
وإنما الخلاف الذي وقع بين الرسل وأقوامهم في توحيد الإلوهية أي أن المعبود
الواحد المستحق للعبادة هو الله لا شريك له، لذلك ذكر الله لنا في كتابه
عن المشركين أنهم قالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) [ص- 5]،
ومع أنهم يقرون بأن الله الخالق لكنهم أشركوا بالإلوهية فعبدوا آلهة باطلة
مع الله تعالى زاعمين أنها تشفع لهم عند الله تعالى أو تقربهم إليه زلفى
واستكبروا عن قول لا إله إلا الله كما قال تعالى (إنهم كانوا إذا قيل لهم
لا إله إلا الله يستكبرون) [الصافات- 35].
أخي القارئ الكريم يا من تقرر الربوبية من غير تركيز على الإلوهية افهم هذا
المطلب جيدا فما ذكر الله تعالى الربوبية في كتابه إلا تمهيدا وإلزاما
بالإلوهية، أي بما أنه جل وعلا الرب الخالق الملك المدبر الذي يحيي، قال
(إله الناس) فهو ربهم ومالكهم إذن هو إلههم ومعبودهم، وقال تعالى (ذلكم
الله ربكم لا إله هو خالق كل شيء فاعبدوه) [الأنعام- 102]، وتأمل عنوان
المقال (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) الجواب: لا إذن (لا
إله إلا هو فأني تؤفكون) [فاطر- 3]، وغير هذا كثير جدا في كتاب الله تعالى
لذلك استنكر الله تعالى على المشركين حيث جعلوا المخلوق كالخالق في العبادة
فقال تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) [النحل- 17]، وذكر لنا جل وعلا ان
المشركين يوم القيامة إذا دخلوا النار قالوا عن أنفسهم وبكل حسرة (تالله إن
كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) [الشعراء: 97- 98]، ومن
المعلوم أنهم ما كانوا يساوون بين الخالق والمخلوق في الخلق والملك كلا بل
كانوا يصرفون لهم من العبادة كما يصرفون لله كما قال تعالى (ومن الناس من
يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله)
[البقرة- 165]، فما كان المشركون يعتقدون أن خالقا سوى الله تعالى يشاركه
في الخلق والملك كما كانوا يقولون في تلبية الحج: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا
شريك لك لبيك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
فهذا حال المشركين الأوائل والمعاصرين يشركون بالإلوهية ولو أقروا الربوبية
ثم ولو كان إقرارهم بالربوبية إقرارا صحيحا لكان دعاهم إلى توحيد الله
تعالى بالإلوهية.
أخي القارئ إذا ظهر لك هذا واضحا ليس فيه أدنى التباس تبين لك انحراف كثير
من الناس ممن قد يقرر ويحاضر ويدرس بل ويفسر القرآن من أوله إلى آخره، ومع
هذا لا يتجاور الربوبية ولا يقيم للإلوهية وزنا!! ومن هؤلاء ذلك المفسر
الشهير الذي يعقد دروسه في مسجد الحسين بالقاهرة والناس يطوفون بالقبر
المزعوم هناك كما يطوف الحجاج والمعتمرون بالكعبة ومع هذا لا يلتفت إليهم
ولا ينكر عليهم ولا يمكن أن تسمع له كلمة واحدة في بيان فساد فعل هؤلاء
الذين بلغ بهم الجهل أن صرفوا أنواعا من العبادة إلى الأولياء والصالحين
التي يجب أن تصرف لله رب العالمين!! فهذه المساواة بين الخالق والمخلوق
التي كان يفعلها المشركون الأوائل فلماذا لا ينصحهم هذا المفسر الكبير
والعالم النحرير؟! لا شك لانحراف منهجه وفساد عقيدته مما جعله يتكلم كثيرا
في الربوبية دون الإلوهية.
والخلاصة: انصح الدكتور صبري الدمرداش وكل مسلم أن يهتم بهذه العقيدة فكلما
بيّن خلق الله وقدرته وجب عليه أن يقول هذا الخالق المالك يجب أن يعبد
وحده لا شريك له ويجب ترك عبادة الصالحين وإن كانوا أولياء لله فمقامهم
ينفعهم ولا ينفعنا إلا أن نسعى فنعبد الله وحده لنكون أولياء لله كما كانوا
فالآية ليست حكرا على أحد بل كل من أراد أن يكون لله وليا فله ذلك بإذن
الله تعالى (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا
وكانوا يتقون) [يونس- 62] فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا.
وانظر إلى حال الكفار الذين يدرسون عالم الحيوان والنبات والأسماك
والمحيطات والأفلاك من ينقل عنهم الدكتور صبري الدمرداش نقلا ولم يكتشف
بنفسه هذه المعلومات الباهرة التي يذكرها في برنامجه طبعا أقول هؤلاء
أكثرهم كفار ما استفادوا من دراستهم الطويلة واكتشافاتهم العظيمة أن الرب
الذي خلق هذا الخلق العظيم يجب أن يعبد وحده لا شريك له وعلى سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم وهذا معنى أن لا إله إلا الله محمد رسول الله قال تعالى
(يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون)
[البقرة- 21].
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.